الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بعد تفوّق الباجي على المرزوقي في الدور الأوّل: معركة شرسة في الأفــــــق

نشر في  27 نوفمبر 2014  (10:00)

أحرز السيد الباجي قايد السبسي على المرتبة الأولى في الانتخابات الرئاسيّة بعد أن صوّت لفائدته 1.289.384 ناخب تونسي في حين أحرز السيد المنصف المرزوقي على 1.092.418 صوت.. فما هي الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من هذه الأرقام؟
لقد أصبح جليا لكلّ التونسيين انّ رئيس حزب نداء تونس يحظى بثقة عدد هام من التونسيين لأسباب عديدة أولها انّه يجسّم الاستقرار خلافا لمرشحين آخرين يدعون الى تغييرات ومحاسبات لم تقبلها الأوساط التي تؤمن بالاعتدال وكذلك العائلة الديمقراطيّة.. وبينما تحاول بعض الأحزاب فرض قراءة دينيّة متشدّدة على المجتمع التونسي وتتحدّث أحزاب أخرى تتحدّث عن المشانق السياسيّة وهو ما يتعارض مع طموحات الشعب، يمثل الباجي قايد السبسي رمزا وصمّام أمان لنمط عيش التونسيين ودرعا أمام الاهتزازات الاجتماعيّة وحتى السياسيّة.. لقد نجح السبسي في نحت صورة «الأب الحامي»  كل ما تعرّض للبرامج «الثورية» العقائديّة أو الايديولوجيّة..
والى طمأنة الناخب التونسي، أضاف مترشّح نداء تونس فكرة هيبة الدولة، في الوقت الذي يلاحظ فيه أغلب التونسيين تدهور صورة الدولة لدى عدد من المواطنين الذين يحرقون مراكز الأمن أو يهجمون على المستشفيات أو يتمرّدون على القوانين أو يقصّرون في العمل.
لقد «تشلّكت» الدولة راعية السلطة، وكيف يبقى للدّولة هيبة و«لجان الثورة» تدخل القصر بأزياء شبه رياضيّة!!
العامل الثالث الذي ساهم في نجاح السيد قايد السبسي، هو الخبرة، وهي عامل أشاع الثقة في نفوس أعداد هامّة من التونسيين. يرون في سي الباجي السياسي القادر على إخراج تونس من النّفق بعد أن بدت حكومة الترويكا والرئيس السابق المؤقت وكأنّهم «هواة».. ورغم بعض الانتقادات الموجهة لرئيس نداء تونس بخصوص سنّه فقد صوّت له ناخبون عديدون لأنّهم بحاجة الى رئيس  خبير يحذق تسيير دواليب الدولة، وفضلا عن ذلك فقد جسّم مرشّح نداء تونس للرئاسة صورة «ابن بورقيبة» وهو ما جعله يحظى بتأييد الذين عاصروا «الزّعيم» ولمسوا مزاياه على تونس الحديثة.
أمّا بخصوص مكافحة الارهاب وانتشار الأسلحة، فالثابت  انّ السيد الباجي قايد السبسي سيواجههما بيد من حديد، وبالتالي لن يتسامح مع من زرعوا بذور هذا الطاعون ورموزه، وللتذكير فانّه من صلاحيات رئيس الجمهورية السهر على الأمن القومي.. ولقد كانت تونس ضحيّة اخلالات أمنية فظيعة بعد الثورة حتى أصبح الارهابيون يتمتّعون بنصيب من الحرّية بسبب التخاذل.
وبالنسبة الى النساء فقد صوّتن لفائدة الباجي لأنّهنّ على يقين من انه سيدافع عن المساواة بين الرجل والمرأة وسيرفض أي مساس بمكتسبات هذه الأخيرة..
وكان استبدّ بالتونسيّات إحساس بتهديدات جدّية تستهدفها، مصدرها الأحزاب المتشدّدة التي طالبت «بالتكامل» بين المرأة والرّجل وحاولت تضمين هذه الفكرة الرجعيّة في الدستور!
واختزالا يمكن القول انّ السيد الباجي قايد السبسي هو المرشّح الذي طمأن التونسيين والتونسيات الذين رفضوا بكلّ شجاعة فرض نمط اجتماعي بعيد عن الوسطيّة والديمقراطية وحقوق الانسان!
أما السيد المنصف المرزوقي الذي أحرز على 1.092.418 صوت فقد احتلّ المرتبة الثانية بفضل المساندة المطلقة لحزب النهضة حيث أهدته 800.000 صوت على أقلّ تقدير تضاف اليها مساندة بعض الأحزاب التي طالبت بتحقيق مطالب «الثورة» وأغلبهم من المتشدّدين ولجان «حماية» الثورة وحزب التحرير.. والسؤال الذي يجب طرحه: من اي مخزون انتخابي سيضيف المرزوقي حوالي 200.000 صوت للفوز بمنصب رئيس الجمهورية؟ فحتى لو صوّت لفائدته التيار الديمقراطي وحزب المحبة وحزب وفاء ووفّروا له 100.000 صوّت فلن يتمكّن  من البقاء في قصر قرطاج، مع التذكير بأنّ الجبهة الشعبيّة والاتحاد من أجل تونس والمبادرة وأجزاء من التكتّل والجمهوري سيوفّرون للباجي ما بين 250.000 و500.000 صوت.. وانطلاقا من هذا المعطى من أين سيأتي المرزوقي بـ600 ألف صوت تقريبا لهزم قايد السبسي؟
أمّا حمّة الهمامي فقد حصل على 252229 صوت وهو انجاز لابدّ من الإشادة به لأنّ أكثر من ربع مليون ناخب اختاروا هذا المناضل الذي ما انفكّ يطالب بإجراءات عملية لفائدة الفقراء والولايات المهمّشة والمحرومة ومراجعة النظام الجبائي.. لقد صوّت لفائدته كل من يعتبرون انّ من أولويات الحكومة  المقبلة ارساء العدالة الاجتماعية.. كما يفسّر بعض الملاحظين نجاح حمّة الهمامي بأنّه ثمرة تغييره ـ ولو نسبيا ـ خطابه لاستقطاب الطبقات الوسطى والمثقفين وحتى بعض رجال الأعمال، وقد قال في هذا الصّدد:«ليست لي مشاكل مع رجال الأعمال بل مع «رجال العمايل».. كما انّ تغيير «اللوك» ساعده على تغييب صورة المناضل الثوري الناقم.
أمّا محمد الهاشمي الحامدي فقد انتفع بأصوات أنصاره في سيدي بوزيد وبمساندة آخرين من هنا وهناك حتى يحصل على 187.923 صوت، مع الإشارة الى أنّ خطابه الشعبوي أثّر على بعض المواطنين الذين يعانون من الفقر والخصاصة..
أمّا سليم الرّياحي الذي حصل على 181407 صوت محرزا بذلك على المرتبة الخامسة فقد حقّق هذه النتيجة بعد أن نجح في إقناع بعض الشّباب بجدية ترشّحه كما انّ مخزون أنصار النادي الافريقي لعب لفائدته.. وكان الرياحي ذكّر التونسيين بترشّح رجال أعمال في ايطاليا وبولونيا ورومانيا نجحوا في مشاريعهم الاقتصاديّة أو الرّياضية حتى باتوا ذوي شعبية ساحقة.
أمّا المترشّحون الذين كانوا وزراء في نظام بن علي وهم كمال مرجان ومنذر الزنايدي وعبد الرحيم الزواري (الذي انسحب) فقد حصلوا على 67.925 صوت وهي رسالة واضحة، فالنّاخبون يرفضون في الوقت الرّاهن رجوع وزراء بن علي الى السلطة..
وفي ما يخصّ مصطفى بن جعفر ونجيب الشابي فقد تحصّلا على 56014 صوت ممّا يؤكد فشلهما على المستويين الحزبي والوطني، فالشابّي الذي أحرز على 55576 صوت في التشريعيّة لم يحصل الاّ على 34025  صوت، في حين انّ بن جعفر الذي حصل على  21989 صوت قد كان حصل في التشريعيّة على 23158 صوت!
وفي ما يخصّ شخصيات قريبة من النهضة مثل محمد فريخة (17506 صوت) وعبد الرزاق الكيلاني (10077 صوت) وحمودة بن سلامة (5737 صوت) فقد خذلهم حزب الغنّوشي الذي أكّد أنّه لن يساند أيّ مرشّح وذلك عندما حاول المترشّحون توظيف هذا الانتساب، وفي المقابل  ساندت النّهضة المرزوقي مساندة مطلقة وهو الذي لاينتمي اليها ولكن هذا الدعم لم يُجده نفعا فقد مني بهزيمة ثانية.
أمّا بقية المترشّحين فشكرا لهم، فقد حاولو الدّفاع عن بعض الأفكار على غرار الصّافي سعيد وكلثوم كنّو في حين انّ آخرين شاركوا لمجرّد المشاركة وللتعريف بأنفسهم..
انّ الدور النهائي في الانتخابات الرئاسيّة سيكون مفصليا ويتطلب مشاركة أكبر عدد من النّاخبين حتى ننقذ بلادنا من المتشدّدين..
بقي أنّ هناك سؤالين يتردّدان: هل سيلتزم هذان المترشّحان بما ستفرزه صنادق الاقتراع في الدور الثاني أم على الجيش والأمن والمجتمع المدني ان يتصدّوا قانونيا وشعبيّا لمن سيرفضون النّتائج ويحاولون بثّ الفوضى، ثم هل انّ وزارة الداخلية ستقف بجدية في وجه توزيع المال السياسي والأجنبي لشراء أصوات عدد من النّاخبين؟

المنصف بن مراد